الصفحة الرئيسية  ثقافة

ثقافة مسرحية "عمر وجوليات" لطاهر عيسى بلعربي: الحــب في مـقـبـرة الحـيـاة..

نشر في  07 مارس 2017  (14:40)

أثر سحري، ذلك الذي تركته مسرحية "عمر وجوليات" لمخرجها طاهر عيسى بالعربي في أذهاننا. فاللوحات تتوالى الواحدة تلو الأخرى بجمالية فائقة وبنص محبوك وبموسيقى تنفث الى الروح فضلا عن الأداء المميز للممثلين المشاركين في العمل..

وتروي مسرحية "عمر وجوليات"، وهي اقتباس حر لنص "روميو وجوليات" لشكسبير، قصة شاب متشدد (عبد الرحيم جلولي) ترسله بعض الأطراف لتنفيذ تفجير ارهابي بأحد القصور غير أنه يقع في غرام جوليات (أسماء الوسلاتي) ابنة صاحب القصر، وهي فتاة يهودية. أسوة بالسيناريو الأصلي، تتواجه عائلتا الشابين رافضتين الزيجة بينهما، فكيف لهما أن يتحابا وقد فرقتهما الأديان وفق نظرة سياسية واجتماعية للأشياء؟ الحب في مقبرة الحياة المعاصرة قد يكون هو الخيط الرفيع الذي خاط به طاهر عيسى بالعربي عمله المسرحي.

يبني إذن المخرج نسقه الدرامي على هذه المفارقة العاطفية-الإجتماعية- السياسية ويقلع بشخصياته في نسق درامي تصاعدي يعكس حجم الرهانات المطروحة وتباين المواقف والأهواء. ولعل اللافت للإنتباه في طرحه هو معادلة الجدية والدعابة التي طبعت روح المسرحية بخفة مستحبة، تلك التي لا تجعل المتفرج يملّ أو يكلّ رغم طول المسرحية التي تدوم قرابة الساعتين.

يمكن تقسيم مسرحية "عمر وجوليات" الى 5 أوقات كبرى وهي "الحفل" و"لقاء الأحبة" و"المواجهات" و"في حضرة الإمام" و"المقبرة" وهي بمثابة الفصول التي غاص فيها طاهر عيسى بالعربي ليبرز نسغا مسرحيا مخصوصا. ففي "الحفل" يبدو الركح المسرحي صاخبا بمهجة الحياة الليلية وموحيا بلوحة "مأدبة الآلهة" الشهيرة. أما لوحات "لقاء الأحبة" التي تظهر في بداية المسرحية (المتحابان أمام قمر عملاق) وفي آخر المسرحية (المتحابان في رقصة الشموع) فقد غذاها طاهر عيسى بالعربي بجمالية بحجم بحور الحب ومشاعره الجياشة.

أما لوحات "المواجهة، فقد صبغها المخرج بطابع أبرز حدة الاختلاف بين الأطراف المتنازعة وتواجه فيها بالخصوص الممثلان شاذلي تاغوتي (في دور شمعون ابن عم جوليات) وسيف الدين السبعي (ابن العم الثاني) مع عاشق جوليات (عبد الرحيم جلولي) وصديقه الممثل حمزة الورتاني في مبارزات على قدر كبير من المتعة البصرية. وهنا تجدر الاشارة الى دور مؤثرات الفيديو التي أمنّها يوسف بوعجاجة والتي أضفت حيوية خاصة على العمل.

هذا وتعددت لوحات "في حضرة الامام" الذي توفق فيها الممثل خالد الزيدي في أداء دور الشيخ بما فيه من تناقضات وبروح فيها الكثير من الفكاهة. أما لوحة المقبرة والتي شكلت خاتمة المسرحية، فحملت نفس "الما بعد" وحلّة العدمية  اللتين تعبثان بمصائر وأقدار الأحرار فتجعلها مستحيلة التحليق.

في "عمر وجوليات" تداخل النص مع التصور الركحي والموسيقى والاضاءة وأداء الممثلين لتظهر المسرحية في ثوب حالم وكأنها اختراق زمني يصل الى ذلك التاريخ الذي دوّن فيه شكسبير مخطوطه الأصلي عن قصة الحب المستحيل التي مزقت أوصال روميو وجوليات منذ 400 سنة خلت وصولا الى عمر وجوليات وآلاف المحبين الآخرين الذين عاكستهم قيود العقليات البالية.

شيراز بن مراد